صحيح أن القهوة تعتبر واحدة من أكثر المشروبات شعبية في العالم، ولها تاريخ غني يمتد لقرون، إلا أنها في العالم العربي تحمل طابعاً خاصاً. وتُعتبر دولة إثيوبيا هي الموطن الأول والأساسي لأشجار البن، ومنها انتشرت فيما بعد إلى الدول العربية، فمن إثيوبيا إلى اليمن ثم إلى المغرب بدأ الناس يتعرفون على هذا المشروب ويُداومون عليه لفوائده وآثاره العديدة. فماذا تعني القهوة في الثقافة العربية؟ إلام ترمز؟ ماهي القيمة الحقيقة لها في الأوساط العربية؟ وفي أي الأقات يحب المواطن العربي احتساء هذا المشروب الذي لطالما أحبه؟
القهوة العربية
كما ذكرنا، لقد كانت أشجار البن موجودة منذ قرون ونشأت من إثيوبيا، وساد الاعتقاد بأن لها العديد من الفوائد مثل علاج الصداع والمساعدة في الاكتئاب. وفي القرن السادس عشر، انتشرت عبر الشرق الأوسط إلى اليمن والمغرب قبل أن تصبح شائعة في جميع أنحاء أوروبا من خلال طرق التجارة التي أنشأها المستعمرون الأوروبيون في جميع أنحاء إفريقيا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر.
وتشير أغلب الدراسات إلى أن نبات القهوة أُدخل إلى شبه الجزيرة العربية من قبل المهاجرين الإثيوبيين الذين كانوا يعملون في الموانئ اليمنية على ساحل البحر الأحمر، وخلال القرن السابع عشر أصبحت جزءًا من الحياة اليومية بين سكان هذه البلدان. كما لعب التجار الفارسيون دورًا مهمًا في ترويجها على نطاق واسع.
ومع ذلك، وعلى الرغم من شعبيتها في الخارج، غالبًا ما يشرب الناس في الثقافات العربية قهوتهم بشكل مختلف عن أجزاء أخرى من العالم، فعلى سبيل المثال، يشربونها مع السكر بدلاً من الحليب أو الكريمة؛ أو يفضلونها سوداء بدلاً من النكهات المضافة مثل الفانيليا أو بدون أي إضافات أخرى.
القهوة العربية كرمز للضيافة
تتجسد أكبر رمزيات هذا المشروب في الثقافة العربية أنها رمز الضيافة. يمكن القول إن الثقافة العربية تستخدم هذا المشروب بعدة طرق مختلفة: كهدية للضيوف، ولإبرام الصفقات التجارية، وحتى كعرض للسلام. كما يتم تقديمها بشكل تقليدي قبل دخول المساجد أو المنازل لإظهار الاحترام والترحيب بالناس في هذه الأماكن. وفي بعض الأحيان، تعطي الأمهات حبوب البن لأبنائهن عندما يتزوجن. وكل هذه الممارسات تعكس لنا مدى أهميتها كمشروب ثقافي ورموزها المختلفة في المجتمع العربي. لذلك تعتبر رمزًا للضيافة والكرم في المجتمع العربي، حيث يتم تقديمها غالبًا للضيوف.
يمكن تتبع هذا التقليد منذ قرون مضت عندما تم تقديم القهوة لأول مرة في اللثقافة العربية من قبل الصوفيين الذين كانوا يقدمون أكوابًا من المشروب الذي تشتد الحاجة إليه أثناء الاستماع إلى اعترافات أتباعهم أو إجراء مناقشات دينية. حيث يعود أقدم ذكر معروف للقهوة إلى عام 1000 بعد الميلاد عندما كتب العالم الصوفي أبو الحسن الشاذلي عن هذا المشروب الجديد من الناحية الدينية قائلاً: “يوجد بيننا رجال يعرفون كيف ينتجون من مجرد الماء مادة ما يشبه النبيذ “.، في إشارة طبعاً إلى مشروب القهوة.
القهوة في المجتمعات العربية
لا يمكننا إغفال حقيقة أن للقهوة أيضًا أهمية روحية لدى المسلمين بشكل عام والمجتمعات العربية بشكل خاص، حيث يتم اعتبارها فرصة للتأمل الذاتي في ساعات الفجر التي كانت مخصصة تقليديًا للصلاة. كما يتم توزيعها على المصلين في بعض المساجد الكبرى مثل المسجد الحرام والمسجد النبوي، كوسيلة للترحيب بزوار هاذين المسجدين المقدسين.
كما أنّ من إحدى العادات العربية الشهيرة، هي اجتماع الرجال بعد صلاة الجمعة، والجلوس معاً لشرب القهوة ومناقشة جميع أمورهم. مما يعني أنها في المجتمع السعودي تحضر في أغلب اللقاءات الأسرية والعائلية والاجتماعية. وهو ما يبرهن لنا على أنها أكثر من مجرد مشروب. إنها تحمل رمزية اجتماعية وثقافية واقتصادية وتاريخية في الوقت ذاته. كما أن أول ما تراه عند دخولك إلى منزل عربي هو عادة أكواب من القهوة المخمرة المعدّة للضيوف التي يتم ترتيبها حتر قبل وصول الضيوف.
وفي الثقافة العربية، لا ترمز كلمة “قهوة” إلى المشروب المجرد، وإنما تعني في الوقت ذاته “تجمع اجتماعي يتناقش فيه الناس أمورهم الحياتية، أو يتحدثون في الأمور الجادة أو يتبادلون الآراء في مختلف المواضيع مثل السياسة أو الدين”.
القهوة العربية.. طريقة تحضير فريدة
نقطة أخرى في غاية الأهمية، ولا يمكننا إغفالها والتغاضي عنها عند التفكير في القهوة العربية، وهي طريقة إعدادها الفريدة والمميزة، فعلى الرغم من تنوع واختلاف طرق تحضيرها حول العالم، إلا أن تحضير القهوة العربية يتبع آلية خاصة، وهو ما يجعلها تختلف عن أي قهوة أخرى في أي منطقة في العالم. فكما سبق وذكرنا، يعتبر تقديمها كأحد الجوانب المهمة من حسن الضيافة في المجتمعات العربية ورمزاً للكرم. إلا أن العامل الأهم هو أنه عادةً ما يجري إعداد القهوة تقليدياً أمام الضيوف مروراً بجميع مراحل هذا الإعداد.
وتبدأ العملية باختيار حبوب البن، ومن ثم تحميصها تحميصاً خفيفاً على النار في مقلاة ليست عميقة، وتوضع بعد ذلك في هاون نحاسي وتُدق بمدق نحاسي. ثم توضع القهوة المطحونة على النار في دلّة نحاسية كبيرة ويضاف إليها الماء. وبعد أن يكتمل تخميرها تسكب في فناجين صغيرة. وتقدم أولاً للضيف الأكثر أهمية أو الأكبر سناً. وتسكب بمقدار ربع الفنجان ويعاد السكب عند الطلب. والممارسة الشائعة هي شرب فنجان واحد على الأقل على ألا يزيد العدد على ثلاثة فناجين. ويشرب القهوة العربية الرجال والنساء من جميع شرائح المجتمع، ولا سيما في المنزل.
ويعتبر الشيوخ ورؤساء القبائل الذي يقدمون القهوة في مجالسهم، والبدو من الرجال والنساء الكبار في السن وأصحاب المتاجر المتخصصة في بيع القهوة حمَلة هذا التراث والأمناء على استمراره. وتُنقل المعارف والتقاليد الخاصة بالقهوة العربية في إطار العائلة وتُكتسب من خلال المراقبة والممارسة. ويتعلم الشباب كيفية اختيار أفضل حبوب البن من خلال مرافقة الكبار إلى السوق.
وفي دلالة هذه الكيفية التي يتم من خلالها تحضير القهوة العربية، نجد أنها تعكس لنا إحدى الصفات التي تفتخر بها المجتمعات العربية، والتي تتمثل في التمسك بالتقاليد واحترامها، وعدم التخلي عن العادات الأصيلة التي تميز مجتمعاتنا عن غيرها. وفي سياق مشابه، نجد أن القهوة العربية لها العديد من الدلالات والرمزيات الثقافية والحضارية، والتي تتجاوز كونها مجرد مشروب يومي، وإنما تحمل رمزية كبيرة في الثقافة العربية.