ربّما لم تتساءل يوماً عن فوائد شرب الشاي، رغم أنّك تشربه أو على الأقل يشربه أحد أقربائك أو أصدقائك يومياً، لكن هل تساءلت أيضاً عن مدى إمكانية تحسين الدماغ من خلال الشاي؟ نعم، تحسين بنية الدماغ.
أظهرت دراسات قادتها جامعة هارفارد أنَّ تناول الشاي بانتظام يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية، وفقاً لما نشر موقع MBGHealth الأمريكي. كما أظهرت دراسة طويلة المدى نُشِرَت في عام 2017 أنَّ الاستهلاك اليومي للشاي يمكن أن يُقلِّص خطر التدهور الإدراكي لدى كبار السن بنسبة 50%. وكما يتضح، بات من الصعب للغاية المجادلة بشأن فوائد شرب الشاي وقدرته على تحسين الصحة العامة وتحسين بنية الدماغ.
والآن، يعيد مؤلفو الدراسة التي نُشِرَت عام 2017 الكَرَّة مجدداً. إذ تُظهِر دراستهم الجديدة، التي نُشِرَت في مجلة Aging، أنَّ أولئك الذين يتناولون الشاي بانتظام لديهم مناطق دماغية أكثر تنظيماً مقارنةً بمَن لا يتناولونه.
كيف يعمل شرب الشاي على تحسين بنية الدماغ؟
ربما لم تتخيَّل أنّ طقس “شرب الشاي“، أو حتّى “حفلات الشاي” قد يكون لها تأثير مباشر وكبير على أدمغتنا، لكن يبدو أنّ الإنسان تعامل مع فوائد الشاي الكثيرة سابقاً وبشكلٍ مكثّف قبل حتّى أن يكتشف فوائده الحقيقية..
من الواضح من خلال الدراسات السابقة حول فوائد الشاي أنَّه يمكن أن يفيد في تحسين بنية الدماغ وفيما يتعلَّق بالإدراك، لكن في هذه الدراسة الجديدة، قرَّر الباحثون من جامعة سنغافورة الوطنية الغوص أعمق ليكتشفوا كيف يؤثِّر الشاي بالضبط على شبكاتٍ دماغية بعينها. لتحقيق هذا، جمع الباحثون بيانات بشأن اختيارات نمط الحياة وحالة الصحة البدنية والنفسية ل 36 من كبار السن. ثُمَّ أجروا فحوصات عصبية فسيولوجية وتصويراً بالرنين المغناطيسي لأدمغة المشاركين.
أظهرت النتائج أنَّ المشاركين الذين تناولوا شاي الأولونغ الصيني أو الشاي الأسود أو الأخضر أربع مرات أسبوعياً على الأقل طوال 25 سنة لديهم مناطق دماغية متصلة بصورةٍ أكفأ. وكما أوضح الباحث الرئيسي في الدراسة، الأستاذ المساعد فينغ لي: “تُقدِّم نتائجنا أول دليل على المساهمة الإيجابية لتناول الشاي في بنية الدماغ، وتشير إلى أنَّ تناول الشاي بانتظام له تأثير وقائي في مواجهة تدهور التنظيم الدماغي المرتبط بالتقدُّم في السن”.
ما الذي يعنيه “تحسين بنية الدماغ”؟
لمعرفة ما المقصود بتحسين بنية الدماغ يجب معرفة ما الذي يعنيه وجود دماغ مُنظَّم جيداً ؟ يشرح لنا الباحث الرئيسي هذا الأمر بطريقةٍ مبسطة: “اعتبروا أنَّ مناطق الدماغ تُمثِّل وِجهاتٍ، في حين أنَّ الروابط بين مناطق الدماغ تُمثِّل طُرقاً. حين يكون نظام طريق ما أفضل تنظيماً، تكون حركة المَركبات والمسافرين أكفأ وتستخدم موارد أقل. بالمثل، حين تكون الروابط بين مناطق الدماغ أكثر تنظيماً، يمكن إجراء عملية معالجة المعلومات بصورة أكفأ”. ومثلما قد يتبادر إلى الذهن، يرتبط وجود مناطق الدماغ المُنظَّمة بوجود وظيفة إدراكية صحية. ويعتزم نفس الفريق القائم بالدراسة في المستقبل استكشاف الكيفية التي ترتبط بها وظائف مثل الذاكرة مع الروابط الدماغية المحددة هذه. ويمكن استخدام هذه المعلومات للمساعدة في دعم أدمغتنا مع تقدُّمنا في العمر.
وقد أشار باحثون من جامعة سنغافورة الوطنية إلى أن الشاي يلعب دوراً بارزاً في تحسين بنية الدماغ والعناية بها ووقايته من التدهور المرتبط بالعمر. فبحسب الخبر الذي نشره موقع economic times وجد الباحثون أن الذين يشربون الشاي بانتظام، لديهم مناطق دماغية منظمة بشكل أفضل وهذا التنظيم يرتبط بوظيفة إدراكية ومعرفية صحية أكثر، بالمقارنة مع غير شاربي الشاي.
وقام فريق البحث بقيادة “فنغ لي” أستاذ مساعد من جامعة سنغافورة الوطنية بجمع بيانات 30 شخصا بالغا تتراوح بين 60 عامًا وما فوق، وشملت هذه البيانات معلومات عن صحتهم وأسلوب حياتهم ورفاههم النفسي. وتم إخضاع المشاركين في الدراسة التي أجريت بين 2015 و2018 إلى اختبارات نفسية وعصبية وأيضا تم تصويرهم بالرنين المغناطيسي. وعندما قام العلماء بتحليل الأداء المعرفي للمشاركين ونتائج التصوير، وجد فريق البحث أن الأفراد الذين يتناولون الشاي الأخضر أو الشاي الصيني الأسود أو الشاي الأسود، أربع مرات على الأقل في الأسبوع لمدة 25 عامًا تقريبًا لديهم مناطق عصبية في الدماغ مترابطة بطريقة أكثر فعالية.
وقال “فنغ لي” الذي قاد الدراسة: “تقدم نتائجنا أول دليل على المساهمة الإيجابية لشرب الشاي في بنية الدماغ، وتشير إلى أن شرب الشاي بانتظام له تأثير وقائي ضد التدهور المرتبط بالعمر في تنظيم المخ”. وأضاف لي: “لقد أظهرنا في دراساتنا السابقة أن الذين يشربون الشاي لديهم وظيفة معرفية أفضل بالمقارنة مع الذين لا يتناولون الشاي”.
وخلص بالقول: “إن نتائجنا الحالية المتعلقة بشبكة الدماغ، تدعم بشكل غير مباشر النتائج السابقة التي توصلنا إليها من خلال إظهار أن الآثار الإيجابية للشرب المنتظم للشاي، هي نتيجة لتحسين تنظيم الدماغ الناجم عن منع الاضطرابات بين المناطق العصبية”.
فوائد أخرى لشرب الشاي
يحتوي الشاي بجميع أنواعه على كميات كبيرة من مضادات الأكسدة والمغذيات، التي لها تأثير قوي على الجسم، وهذا يتضمن تحسين وظائف الدماغ، إضافة إلى أن المركبات التي توجد في الشاي الأخضر يمكن أن تحسن وظيفة الدماغ وتجعلك أكثر ذكاء. كما تقلل العناصر الغذائية في الشاي من تشكل الجذور الحرة في الجسم، مما يحمي الخلايا والجزيئات من التلف، ومن المعروف أن هذه الجذور الحرة ترتبط أيضا بالشيخوخة وجميع أنواع الأمراض.
وبالرغم من أن الكافيين الموجود في الشاي الأخضر برغم نسبته المتواضعة، إلا أنه يُعد منبه جيد، ويكفي لإنتاج الاستجابة اللازمة دون التسبب في الآثار “المقلقة” المرتبطة بكثرة الكافيين. ومن تأثيرات الكافيين الموجود في الشاي على الدماغ أنه يمنع وصول ناقل عصبي مثبط إليه يدعى “أدينوسين”، مما يزيد من تنبه الخلايا العصبية وتركيز الناقلات العصبية مثل “الدوبامين” و”النورادرينالين“.
وتشير العديد من الدراسات إلى أن الكافيين بشكل عام يُحسن العديد من الجوانب المختلفة من وظيفة الدماغ، بما في ذلك تحسين المزاج واليقظة وسرعة رد الفعل والذاكرة. كما يحتوي الشاي على حمض أميني L-theanine، الذي يمتلك القدرة على عبور حاجز الدم في الدماغ، ومعروف بقدرته على زيادة نشاط الناقل العصبي المثبط GABA، الذي يمتلك بدوره تأثير مضاد للقلق، كما أنه يزيد من إنتاج “الدوبامين” وإنتاج موجات ألفا في الدماغ. وينصح العديد من المتخصصين بشرب 4 إلى 5 أكواب من الشاي يوميا للاستفادة من فوائده العديدة، مؤكدا على عدم شربه بعد الوجبات المباشرة.
مما سبق يتبين لنا أن تناول الشاي مفيد لصحة الإنسان، وأن الآثار الإيجابية لشربه تشمل تحسين المزاج والوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية.
